مينذاك أعمل فكري في تهافت الطغاة للبقاء على الكراسي، ثم ترى "القسام" تعودنا استشهاد القادة في سبيل الله ثم الحرية... حتى صار بالنسبة لنا "أمرا عاديا" أن يستشهد القائد، بل نعتبره واجبا، وثباتا، ولم يعد يشكل بالنسبة لنا "هاجسا".

لكن تحس بعدها كاين اضطراب الهوية التفارقي في الأمة، بمجرد تنتقل من سياق إلى سياق تشعر بحجم الهوة، بمجرد ما تخرج عن سياق القراءة ومشاهدة أخبار المقاومة وقادتها، وتدخل في "هويتك القُطرية" ضمن إطار السياسي أو اليومي، وما تراه في واقعك الزفت سياسيا أو يوميا من مظاهر اجتماعية وتفاهة وسخافة، يحكمك اكتئاب لي يحكم المصاب بالاضطرابات السابقة.

رحم الله الشهيد القائد محمد الضيف، وجعل في الأمة وللفلسطينيين خلفا.

أعتبر هذا "التعريف" ببعض المشايخ ليس أمرا اعتباطيا، وأتعمده قصدا، والنماذج التي أشير إليها غالبا لا تقتصر على البعد "الكمي" للمعلومات أو التأليف، بل يضاف إليها "المواقف" الشرعية، وكما أن وظيفة "النقد" مهمة للسقطات المشيخية "المدخلية بنوعيها السلفي/الأشعري" لأن المدخلية نمط تفكير وليست تيارا محددا ، الا أن "النقد" قد يخلق فراغا وسؤالا عن : ومن الشيوخ؟، فلا بد من طرح "نماذج" بديلة، وفي نفس السياق يكون طرحها بطريقة لا تدعو لـ "تصنيمها"، فالعبرة بما يختم به المرء حياته ومساره، فكم من شيخ صار بلعاما.

والحكمة التي أستحضرها دائما قول ابن مسعود رضي الله عنه: عليكم بمن مات، فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة.
وهي حكمة لا تلغي ماهو موجود، وإنما تجعل وجوده "معلقا" دائما بثباته على الحق إلى الختام.
فالنماذج الموجودة هي "وسائل" إلى الله تعالى، فلا تجعل شيخا (أو مثقفا) مهما بلغ من العلم "غاية" في حد ذاتها بحيث إذا أخطأ أو سقط سقطت معه.

• للحذف

في صباح اليوم التالي، 14 أكتوبر، التقى بلينكن بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، البالغ من العمر 48 عاما.
وقال الأمير: "كان ينبغي لبيبي (نتنياهو) أن يكون على علم. لقد أخبرهم الجميع بعدم القيام بذلك مع حماس، لقد أخبرناه. كان ينبغي له أن يكون على علم على أي حال، لكننا أخبرناه بالتأكيد ألا يفعل هذا."

وأضاف الأمير: "حماس هي جماعة الإخوان المسلمين".
لقد سمع بلينكن هذا كثيرًا. لقد تعامل جميع الزعماء العرب مع نسخة ما من حماس تسبب المتاعب في بلدانهم، كما أدرك بلينكن. ولهذا السبب كان ملك الأردن وأمير قطر وولي عهد البحرين والسعوديون والمصريون وكل هؤلاء الزعماء مهتمين بهذا الأمر.
فالجماعات الإرهابية لا تريد القضاء على إسرائيل فحسب، بل تريد الإطاحة بزعماء آخرين.

وقال الأمير: "نحن قلقون بشأن التأثير الذي ستخلفه عمليات إسرائيل على أمننا بالكامل. ما سيأتي بعد حماس قد يكون أسوأ".
وقال: "كما تعلمون داعش كانت أسوأ من القاعدة".

وسأل بلينكن عن الدعم السعودي لإعادة إعمار غزة بعد الصراع.
وقال الأمير: "لن ندفع ثمن تنظيف فوضى بيبي. إذا دمرت إسرائيل كل هذا، فلن ندفع ثمن إعادة بنائه".

كان الأمير السعودي قلقًا من أنهم سيستثمرون في إعادة الإعمار فقط لاندلاع الصراع مرة أخرى مما قد يدمر ما أعادوا بناءه.
( يعود الحديث لاحقا عن لقاء بلينكن بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأضعه هنا لاستكمال صورة الموقف السعودي لأن اللقاء لم يحدث في 14 أكتوبر).
انظر، قال محمد بن سلمان لبلينكن عندما التقيا أخيرًا "أريد فقط أن تختفي المشاكل التي أحدثها السابع من أكتوبر، كانت المملكة العربية السعودية وإسرائيل تسعيان إلى التطبيع قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر." كان ذلك جزءًا من خطته الطموحة "رؤية السعودية 2030" المصممة لتقليل اعتماد المملكة العربية السعودية على صادرات النفط وتحويل البلاد إلى اقتصاد ومجتمع المستقبل.
قال محمد بن سلمان: "أود أن أعود إلى هذه الرؤية ولكن يجب أن تكون غزة هادئة، التطبيع لم يمُت، من الواضح أننا لا نستطيع متابعته الآن، إنهم على وشك شن حرب، لكنني أود العودة إلى هناك في مرحلة ما."

- الحرب ، بوب وودوارد

النسخة البدعية للحديث: تقديس الشيخ والولي وسن فقه القعودية (الوقوف).

النسخة المحمدية: "لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا" ، لفظ أخيه عام، يشمل كل أخ، والحاجة مطلقة، وقيد ذلك بلفظ (المشي=الحركة)، والسعي يكون في حاجة الآخر لا حاجة النفس ينالها بسعيه (إخلاص).
فقه نبوي عملي مثمر واقعا يؤسس للتحرك الخالص لله تعالى، لكل عبد من عباد الله تعالى وربما كان الضعيف أولى، لأنه يغلب أنه بسعيه لن ينال منه لعاعة من لعاعات الدنيا لضعفه وعدم الالتفات إليه.

كل يوم أتأكد أن الخطأ الوحيد -إن أمكن اعتبار الطوفان نقديا أخطأ - سيكون عدم احتسابه لاستعداد الأمة المخصية لحدث بهذا الحجم "التحرري"، على مستوى الحكومات العربية، والشعوب الفاشلة في الضغط عليها (بل قبل الحدث نفسه في الحلف التطبيعي)، والفرد الفاشل الذي أثبت ترديه أخلاقيا وعجزه عن أيسر حركة بل في مستوى الترك نفسه الذي ليس فعلا (كترك المنتجات)، وفشله في التعامل مع أصغر الأمور بأخلاقية، هنا يغدو النقد تحرريا -كما يقول سلافوي جيجيك في التفريق بين النقد التقليدي والتحرري- لأن هذا النقد الذي يعتبرها أخطأت استراتيجيا في هذا التقدير على مستوى التفاعل، سيكون تحرريا مستقبلا من الفرد المخصي الممارس للخطاب التقليدي المجتر ضد الفعل المقاوم نفسه؛ معتبرا هذا الفرد من أخطاء عدم تقدير المقاومة نفسها لوجوده، لأنها لم تقدّر وجود أفراد في هذا المستوى من التردي، ومن باب أولى التحرر من مواقف الحكومات والضعف الشعبي على مستوى حدثٍ اعتبرته تصريحات السياسة الصهيونية "خطرا وجوديا".

نقد سيجعلنا نرتقي لمستوى الحدث، لا يقتصر على القاء الخلل على الآخر ويخرجنا منه كالشعرة من العجين، بل يرمينا معه في صلب المسؤولية الأخلاقية، فلا نخرج أنفسنا من الخلل الذي قد يتجه للمقاومة كما يتجه للجميع، ولايبرئك لا حاكما ولا مثقفا ولا فردا عاديا من المُساءَلة، نقد سيحركنا مستقبلا في أحداث لن نقول فيها:"ماذا نفعل؟".

"لم يكفِ التصوف عن الفقه، بل لا يصحُّ دونه، ولا يجوز الرجوع منه إليه إلا به، وإن كان أعلى منه مرتبة، فهو أسلم وأعم مصلحةً، وفي ذلك قيل (كن فقيهًا صوفيًا ولا تكن صوفيًا فقيها).

وصوفي الفٌقهاء أكملُ من فقيهِ الصوفية، وأعلم، لأن صوفي الفُقهاء قد تحقق بالتَّصوف حالاً وعملاً وذوقاً، بخلاف فقيه الصوفية، فإنه لم يتمكّن من علمه وحاله، ولا يتم له ذلك إلا بفقه صحيح وذوقٍ صريح، ولا يصلُحُ له أحدهما بدونِ الآخرِ، كالطبِّ الذي لا يكفي علمه عن التجربة، ولا بالعكس، فافهم."

[زروق الفاسي، قواعد التصوف وشواهد التعرف، ص54-55.]