﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾:
إذا رأيت فظائع الإنسان ومهُول فعاله، وكبير مكره وطغيانه، وعظيم جبروته على بني جنسه أيقنت بعدل الله تعالى في الحياة الدنيا، وفيما أعدّه يوم القيامة من الوعيد والجزاء، وما يسبقه من هول البعث على من بغى:
﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)﴾ [المزمل: 17-19].

قيمة العلم وأهميته:
أعلى درجات تحقيق المصالح الدنيوية أو الأخروية هي التي يكون تحقيقها بامتثال الكتاب والسنة النبوية.
ومع كثرة المصالح وتداخلها ودِقّة دلالات النصوص وتشابهها تظهر أهمية العلم وقيمته في استنباطها والتعرّف على أنواعها وأولوياتها.

كلُّ منفعةٍ جبليّةٍ يقابلها قربةٌ شرعيةٌ:
قَالَ صلى الله عليه وسلم والحديث في البخاري برقم: (2560):
(‌كُلُّ ‌سُلَامَى مِنَ النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) والسّلامي هي المفصل.
وروى مسلمٌ برقم: (1007) عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً، أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ).
فإذا كان ما ينتفع به الإنسانُ خِلْقَةً وجِبلّةً لا يخلو من شِرْعةٍ ومِلّةٍ فإنّ ما أذن الله له به من مصالح مباحةٍ مع الإرادة والقدرة لا يخرج عن التكليف بامتثال شرعه في جميع أحواله.
ولهذا كان جزاء تعطيل الحواس وأدوات العلم التكوينية من منافعها الدينية: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171] هو زوال هذه الأدوات وحرمانها بالكليّة: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ [الإسراء: 97].
وإذا كانت المنافع الجبلية القدرية التكوينية تحت طائلة التكليف والمساءلة فكيف بالمباحات الشرعية الاختياريّة؟!.

مثارالتخبطفيالفروعينتجعنالتخبطفيالأصول:
«قدتقررعندذويالألبابأنالفقهأشرفالعلوموأعلاهاقدراوأعظمهاخطرا؛إذبهتعرفالأحكام،ويتميزالحلالعنالحرام،وهوعلىعلوقدرهوتفاقمأمرهفيحكمالفرعالمتشعبعنعلمالأصول،ولامطمعفيالإحاطةبالفرعوتقريرهوالاطلاععلىحقيقتهإلابعدتمهيدالأصلوإتقانه؛إذمثارالتخبطفيالفروعينتجعنالتخبطفيالأصول»
المنخولمنتعليقاتالأصول، الغزالي(ص59).

https://www.youtube.com/@AL_YASEEN1

https://x.com/moravaq11/status/1828129604026147058?s=52&t=HKXONZjD1UNjwLwTc8HyMA

‏مبنى كلّ فضيلةٍ على ⁧ #الاعتدال_والوسطية⁩:
‏«⁧ #الفضائل⁩: هيئاتٌ متوسطةٌ بين فضيلتين ناقصتين، كما أن الخير توسُّطٌ بين رذيلتين.
‏فما جاوز التوسُّط ‌خرج ‌عن ‌حد ِّ الفضيلة».
‏أدب الدنيا والدين، الماوردي (ت ٤٥٠هـ) (ص24).

أغلب مصالح العباد فيما يكرهون:
إذا علمت دوامَ ضعفك وفقرك إلى الله مهما بلغْتَ من القوة ونلت من القدرة، ومهما لاحت لك الأسباب، وتفتّحت لك الأبواب؛ فإنّك ستعلم حينئذٍ أنك في كُلّ شأنك فقيرٌ إلى الله: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ أَنتُمُ الفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ﴾ وتوقن أنّ الخير في قولك هذا الدعاء كلّ صباحٍ ومساء:
(يا حيّ يا قَيُّومُ: برحمتك أستغيثُ، أصلحْ لي شأني كلَّه، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نفسي طَرْفَةَ عَينٍ) أي: مقدار لحظةٍ أو لفتةٍ.
فقد يعتري الإنسان الشيء يكرهه لما يظهر له فيه من المضرّةٌ فيكون بمآله عين الخير له، وقد يظفر الإنسان بشيءٍ محبوبٍ إليه مرغوبٍ في نفسه، فيكون بعواقبه الشرَّ بذاته:
﴿وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].
يقول الإمام ابن قيم الجوزية: "مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب، فعامّة مصالح النفوس في مكروهاتها كما أن عامّة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها... ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علما وإرادة وعملا لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته أحبّوا أم كرهوا فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته...ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدّنيا قبل الآخرة في جنّة لا يشبه فيها إلّا نعيم الآخرة فإنّه لا يزال راضيا عن ربه والرّضا جنّة الدّنيا ومستراح العارفين...فقضاء الرب سبحانه في عبده دائرٌ بين العدل والمصلحة والحكمة والرّحمة لا يخرج عن ذلك البتّة" الفوائد، (ص92-93)

اعبدوا الله في هذه العشر المعلومات بالدعاء، واسألوا الله ما شئتم فيها؛ فإنّه سبحانه وتعالى يخلقالأسباب ويوجدها:
لمّااشتدّتحاجة زكريّا - عليه السلام-إلى الولد،وقدتقطّعتبهالأسباب، فامرأتهعاقرٌوقدبلغمنالعمرعِتيًّا:﴿ قالَرَبِّإِنّيوَهَنَالعَظمُمِنّيوَاشتَعَلَالرَّأسُشَيبًاوَلَمأَكُنبِدُعائِكَرَبِّشَقِيًّا﴾ [مريم:٤].
فجعلحاجتهإلىربهدون مَن سواه،وتوجهإليهودعاه:(هبليمنلدنكوليّا).
ولميكتفبطلبالمصلحةالدنيويةحتىقرنهابالأخروية؛(واجعلهربّرضيّا).
ومعتلكالحالكانالجواب: ﴿يازَكَرِيّاإِنّانُبَشِّرُكَبِغُلامٍاسمُهُيَحيىلَمنَجعَللَهُمِنقَبلُسَمِيًّا﴾ [مريم:٧]

(العدد السابع من مجلة أصول الصادرة عن الجمعية العلمية السعودية لعلم الأصول ومقاصد الشريعة في جامعة أم القرى)
https://drive.uqu.edu.sa/_/osol/files/Journal_Issues/osol_2024-7.pdf
‏⁦