Last updated 1 month, 3 weeks ago
سيرافقك قلبي إلى اخر العمر
- لطلب تمويل تواصل ← : @ooooow
- قناة التمويلات : @xxxxzz
Last updated 4 weeks, 1 day ago
https://t.me/hjjhhhjjnkkjhgg1234
Last updated 2 months, 3 weeks ago
بيـن: (يَـٰأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ) و (يَـٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰيَ) تاريخ من الأحزان، والابتلاءات، والمواجع، وصبر كالجبال.
(( قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))
لم تسهُل (يَـٰأَبَتِ) على يوسف عليه السلام إلا لما سهُلت (يَـٰبُنَيَّ) على يعقوب عليه السلام: هذِّب خطابَ ابنك؛ برفع مستوى خطابك معه.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ) تحبَّب إلى طفلك ونادِهِ بلفظ البُنوَّة، اغرسها في قلبه صغيرًا، لعلها تثمر فيه البرَّ كبيرًا.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ) عندما ابتدأه ابنه بــ (يَـٰأَبَتِ) ابتدأ هو كلامه لابنه بـ (يَـٰبُنَيَّ) سابِقِ الآخرين في الكرم والخلق الحسن، لا تتركهم يستأثرون باللفظ الجميل والفعل الجميل، ثم تدعهم يصطدمون بجدار فظاظتك وجلافتك.
(لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ) لَمْ يقل: لا تقصص الرؤيا، مع أنَّ هذا التعبير صحيح لغةً وأسلوباً.. وإنما نسبها له بكاف المخاطب.. مع أنَّ نسبتها له لا تحتاج إلى هذه الكاف، فهو بنفسه من رواها للتوِّ لوالده!
-إذا أردت من الآخرين أن يحتفظوا بأشيائهم الثمينة، فأشعرهم أنها لهم، وأن ملكيتها تعود إليهم، هنا تكون قد استخدمت كافة طاقتهم الواعية واللاواعية للتمسك بهذه الأشياء.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) أطفئ نار الحاسدين بإخفاء مميزاتك عنهم.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) من أشد الفراسات مواطأةً للحق، فراسة الوالدين في أبنائهما.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) ليس شرطاً أن يُعبِّر المعبِّر كلَّ الرؤى! بعض الرؤى يُكتفى معها بالتوجيه العام.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) وضِّح مرادك وأفصِح خطابك لدى الصغار، ومن يحتاج إلى مزيد إيضاح وبيان، لاحظ فك إدغام: تَقُصُّ إلى تَقْصُص.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) لا بأس أن تحذر الأخ من إخوته والرجل من قريبه إن علمت الشر فيهم يقيناً، وليكن تحذيرك مرتدياً ثياب الحكمة والعقل.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) طاقة الحسد تتيقظ لدى الأقربين ومن تربطك بهم علاقة أكثر من غيرهم.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) قصُّ الرؤى والأحلام وغرائب الأمور على الآخرين، عادة إنسانية عتيقة، توارثتها الأجيال البشرية، وأتتِ الشرائع بتهذيبها وتأطيرها.
(قَالَ يَـٰبُنَيَّ لَا تَقْصُص رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ) هناك نفوس ضعيفة، حتى الرؤى والأحلام تستنزف طاقة الحسد لديها.
(فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) لَمْ يقُل : فيقتلوك، أو يضربوك، أو يطرحوك أرضًا، أو حتى يحقدوا عليك، وإنَّما عمَّمها واستخدم كلمة فضفاضة "الكيد" لأن التوقعات لا تحتمل المحددات الدقيقة .. اُكْسُ توقُّعاتك لغةً فضفاضة تحتمل التذبذب والتأرجح، لا تخسر ثقة الآخرين لأجل رغبة آنيَّة في التحديد الدقيق.
بداية القصَّة (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، ونهاية القصة (مِن بَعدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ): الشيطان هو العنصر الأخطر في بؤس البشر.
(( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ))
(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) إذا اجتباك ربُّك واصطفاك: فعَصْفُ المكائِدِ هباء، وخُطَط الإغراء غباء، وظلام المخططات ضياء.
(وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) الرؤيا العظيمة التي يراها الطفل قد يُستدل بها على علاقة ستربطه مستقبلاً بالرؤى؛ كأن يكون مُعبِّرًا.
(الْأَحَادِيثِ) التحدث بالرؤى من الفطر المغروسة في النفوس، لذلك اشتُقَّ لها من هذا التحدُّث اسمٌ فكانت (أحاديث)، فلا تعاند الناس في فطرهم، ما لم يبالغوا فيها.
(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ) اِسأل الله النعمة؛ فإن وهبك إياها فاسأله تمامَها ! ومن أعظم تمامِها أن تكون سبباً في دخولك الجنَّة.
(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ) العابد يسأل الله النعمة ويكتفي بذلك، والعالم يسأله النعمة وتمامها.
(وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ) مِن أجلِّ الأمور التي تعظم معها النعم أن تتجاوز هذه النعمة العبد لتشمل أسرته، وعائلته، وقومه.
-كن سبباً من أسباب سعادة وهناء وشرف أسرتك.
▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️
الورقة الأولى📝
(( الٓر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ))
(الٓر) وأخواتها درس عميق في التسليم؛ فهي أحرف مقطَّعة لا نعرف معناها، ومع ذلك يجب علينا أن نؤمن بأنها من كلام الله وبأن الله يعلم معناها، بل ونحن متعبدون بتلاوتها وحفظها، بل ويكفر من ردَّها أو سخر بها أو قلَّل من شأنها ! فتأمل.
(تِلْكَ) مع أن الآيات بين يديك، ممسك بصحائفها، إلا أنك تقول: تلك "إشارة للبعيد" .. استشعارًا لعلو مكانتها، وشموخ معانيها، ورفعة شأنها.
(الكِتَـٰبِ المُبِينِ) ومن كونه مُبيِّنًا أن كل الكتب يعتريها غموضٌ سواه، وكل الكتب فيها لبسٌ غيرَه، وكل الكتب قد يطرأ عليها شيءٌ من التناقضِ عداهُ.
(المُبِينِ) الواضح، إذا كان الوضوح هو الصفة الأهم لأعظم كتاب أنزله الله، فلماذا ينتهج البعض الغموض في طرائقهم وكتاباتهم؟ هل يعتقدون أن الغموض والتعمية تنهض بأساليبهم؟ أو تُضفي عليهم فخامة ما؟
(( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ))
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أُنزل القرآن من العلوِّ، فهو يحمل خصائص العلوِّ والارتفاع، فكل من قرأه علت نفسه، وكل من حفظه علت همّته، وكل من عمل به علت مكانته.. بل إن الخطاب البشري الذي يحوي شيئًا من القرآن تجده عاليا على غيره، مرتفعاً عما سواه من الكلام الغُفل، وكل الحجج يجذب بعضها بعضاً، فإذا أتت حجة مستمدة من مشكاة القرآن خضعت الحجج لها.
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا) كل ما ليس مِن معهود كلام العرب؛ لغةً وأسلوبًا وطريقةً، لا ينبغي أن يُفسَّر به القرآن العربي.
(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) مَن قرأ القرآن ثم لم تتضح الرؤى لديه، ولم تترتب فوضى عقله، ولم تنسجم قناعاته مع مبادئه، فلَمْ يقرأ القرآن!
(( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ))
(نَحْنُ نَقُصُّ) الله سبحانه يقص! وبعض أهل العلم يستنكف عن إيراد قصة في كلامه يفيد بها الناس؛ ظنا منه أن ذلك يهبط بأسلوبه العلمي!
(وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) هنا لفتة قد تُلحَظ من اختيار صيغة الجمع في (الغافلين) لا الإفراد "غافلًا" فلعل في ذلك تلطفاً في التعبير لمكانة النبي ﷺ عند ربه، فلَمْ يُفرده بالوصف بالغفلة، وإنما جعله من ضمن غيره تخفيفاً للَّفظ والوصف، والله أعلم.
(لَمِنَ الْغَافِلِينَ) لا تبدأ إخوتك وأحبابك بما يَسُوؤهم، بل تلطف في العبارة، واستخدمِ الكناية عِوضَ التصريح، والإشارةَ بدل العبارة.
▫️▫️▫️▫️▫️▫️▫️
الرؤيا 🫠
(( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَـٰجِدِينَ ))
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) لأبيه! لا تجعل في حياة ابنك من يستحق أن يبُثَّه أسرارَه غيرك أنت، والثقات مِمّن حوله.
(يَـٰأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ) اعقد بينك وبين أبنائك عقد حُبٍّ وثقة؛ يبثُّونك من خلاله رُؤاهم، ويحكون لك عن طموحاتهم، ويشرحون لك همومهم.
(إِنِّى رَأَيْتُ) لم يكتفِ بـ (رأيتُ) ، بل أكَّدها بـ (إنَّ) المؤكِّدة، وكأن الرؤيا لغرابتها، وجلالة ما جاء فيها استوجبت على يوسف عليه السلام أن يؤكدها حتى لا يُظنّ به الظنون .... ومن هذا نستنبط أن على الإنسان أن ينفي عن كلامه ما قد يجلب عليه التكذيب أو الريبة، بمؤكدات يقبلها سياق الكلام والحال.
(إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) لَمْ يَقُل : رأيت في المنام؛ وإنما اكتفى بدلالة السياق، فمثل هذا الأمر لا يمكن أن يُرى بالعين، وإنما يُرى في المنام.
احذف من كلامك الحشو الذي يفهمه المستمع ببديهته، أما إذا كان الكلام ذا شأن؛ فيجب هنا التوضيح وفكُّ الغموض كما في رؤيا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه فقال له: (يَا بُنَيَّ إِنِّى أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ) [الصافات: ١٠٢] فبيَّن وفصَّل ولم يُجمل ويُختصر؛ لأن القضيَّة متعلِّقة بذبح الابن! والله أعلم.
(أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) شأن الشمس والقمر أعظم من شأن الكواكب، فلماذا ابتدأ في قص رؤياه بالأقلِّ أهميَّة، وأخَّر الأكثر أهميَّة ؟
-لعل هذا من قبيل البدء بالأقل غرابة؛ حتى يتهيأ عقل المخاطب لما هو أكثر غرابة، ويكون هذا كما حدث النبي ﷺ قومه بشأن الإسراء وأخَّر الحديث عن المعراج.
-وقد يكون ذلك من باب تمهيد البشارة، وتفريح قلب الأب بالشيء العظيم، ثم إتباعه بما هو أعظم.. فلا يكون من قبيل التدريج لاستيعاب الأمر الغريب، بل التدريج لمزيد من التفريح والإسعاد.
-وقد يكون ذلك شيئًا قدره الله لما له علاقة بتعبير الرؤيا، فإنَّ إكرام إخوة يوسف ليوسف بسجود التكريم أغرب من إكرام والديْه اللذيْنِ يُكنَّانِ له الحب والحدب.
-وقد يكون لكل ذلك، أو لغير ذلك .. والله أعلم.
ثم إنِّي بعد أن وصلني الكثير من الكلمات المشجعة من أهل علم وفضل وتخصص، راسلت عدداً لا بأس به وعرضت عليهم مئات الخواطر التدبرية في "سورة يوسف" وغيرها، وكنت أضمن استشارتي تساؤلا أقول فيه: هل أواصل مثل هذه اللفتات أو أتوقف؟ فكان منهم التشجيع، والشدُّ على يديّ، وبعضهم أشار إلي ببعض الإرشادات المهمة التي استفدت منها، مع العلم أن هؤلاء أهل تخصص، وأغلبهم - إن لم يكن كلُّهم - أساتذة جامعيُّون، وحاملون لشهادات عليا في مجال التفسير.
وها أنا بعد مرور ستة أعوام أعود لتلك التأملات الخاصة بـ "سورة يوسف" بعد إشارة بعض الفضلاء -جزاهم الله خيراً- عليَّ بذلك، فأنقِّحها، وأهذِّبها، وأحذف عددًا منها مما لم أعد أرتضيه، وأضيف عددًا آخر ، فجاوز عدد هذه التأملات الأربعُ مئة، أسأل الله أن أكون قد وفقت فيها إلى ما يرضاه.
وقد استشرت في نشرها، واستخرت الله كثيراً، وكانت آخر استخارة مني في المسجد النبوي، بالقرب من الروضة الشريفة، فكانت تلك الاستشارات والاستخارات تزيدني راحة واطمئنانا لنشر هذا الجزء من التأملات، أعان الله ويسر على مراجعة بقية التأملات والإضافة إليها وتنقيحها ونشرها ...
وبعد ...
فقد حان وقت البدء بالمقصود، أسأل الله أن يجد القارئ الكريم في هذه التأملات التدبرية موعظة توقظ إيمانه، أو إرشادا يصحح مسيرته، أو لفتة تنير دربه، أو بذرة تتبرعم بحبٍّ لكتاب الله ورسله وأوليائه...
اللهم هذا الجهد وعليك التكلان .. ولا حول ولا قوة إلا بك...
قصة الكتاب:
لكل مسلم مع القرآن الكريم قصة، بل قصص...
فهو الكتاب الذي يسمعه المسلم، ويقرؤه، ويحفظ شيئا منه، ويدرسه، ويعمل به، ويتعبد به ويستشفي بتلاوة آياته، ويأنس بترتيل سوره؛ في صغره وشبابه وكبره، وفي كل ظروفه وأحواله.
فمَن منَّا لم يحب سورة بعينها في صغره، ويميل إلى ألفاظ سورة أخرى لسهولتها، ويهاب آية تتحدث عن النار مثلا، ويهفو الأخرى تهمس له بجمال الجنة ؟
مَن منَّا لم يعش مع الأنبياء والرسل في سور القرآن؟ ويتفتق عقله مع حوارات القرآن، ويخشع فؤاده مع مواعظه وسياطه الزاجرة؟
وقبل الحديث عن قصتي مع القرآن، يجب أن أعترف بعيب كنت أعانيه، قد يكون أثمر ميزة أحمد الله عليها، هذا العيب هو إحساس غريب باللغة! وعلاقة غير منطقية مع الكلمات! فقد كنت أحب بعض الكلمات، وأنفر من بعضها، دون أن يكون هناك سبب منطقي لذلك الحب أو تلك النفرة! بل كنت أستحي أن أنطق بكلمات معينة ليس فيها ما يُستحيا منه، ولكنَّ إحساسي بالأحرف والكلمات كان فيه شيء من الغرابة!
بل إن وقع الكلمات كان ينزل علي بطريقة تتعبني، وتجعلني أبدو غريبا في بعض المواطن، فأفهم من تهديد المعلم ما لا يخطر ببال زملائي، وأسعد بكلماته المشجعة أضعاف ما يسعد بها أترابي، وأظن دائما أن حرفية الكلمات مقصودة للمتكلم، وهذا ما كان يوقعني في كثير من الحرج، وكان يجعل بعض تصرفاتي تبدو غريبة!
بل قد يضحك القارئ إذا علم أني في طفولتي كنت أُلْبِس بعض الحروف لباس العقلاء، فالباء يبدو لي متواضعا، واللام متكبرا، والسين حنونا.. صحيح أنها خيالات طفل، ولكنها تشي بحبٍّ للُّغة، واهتمام خاص بالكلام منطوقه ومكتوبه.
وبدأت قصتي مع القرآن مبكرة، بفضل من الله تعالى ثم بسور كانت أمي - حفظها الله - تكثر من تردادِها في صباحات طفولتي فكنت أستيقظ على سورة الكهف أو القمر أو القيامة وهي ترتلها بصوتها المجتزأ من طبيعةٍ فيفاء، ترتيلا هو أقرب للقرية منه لأروقة معاهد القرآن الكريم.. ولكني ما زلت أستشعر دفئه وحنانه، وكنت أتخيل تلك الآيات التي تتلوها أمي وكأنها صور أشاهدها، ومقاطع أُبصرها.
وفي المدرسة كنت أعيش مع القرآن وكأني أنظر وأشاهد لا أسمع وأنصت! فأرى عينيَّ {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٩] تدوران في رأسه، فينخلع لذلك قلبي! وأشعر بحرارة الشمس التي كانت تعانيها الفتاتان اللتان رآهما موسى عليه السلام تذودان ( فَسَقَى لَهُمَا ثمَّ تَوَلَّى إلَى الظِّل ) [القصص: ٢٤] وكنت أرى جذاذ الأصنام يتناثر عندما قصدها إبراهيم عليه السلام حاملا مِعوَله (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ) [الصافات: ٩٣].
وكبرتُ، ودخل جهاز التسجيل لبيتنا، فكانت والدتي حفظها الله تضع أشرطة القرآن الكريم لتتكرر في اليوم مرات ومرات، فأسمع الآيات، وتتكرر عليَّ السور، وأعيش مع قصص القرآن بتذوق فرید.
ومن تلك السور التي كنت أسمعها كثيرا قبيل النوم "سورة يوسف".. فلا تسَلْ عن دفء تلك الليالي وأنا بمعية يوسف عليه السلام تأملاً، واستمتاعاً، أكثر منه تدبراً واستهداءً.
ومن تلك الليالي بدأ حبي ليوسف الطفل، وليوسف الفتى، وليوسف السجين، وليوسف العزيز، وليوسف النبي، وليوسف السورة، وليوسف القصة الخالدة.
جعلني ذلك الحب أُكثر من الرجوع إلى كتب التفسير لأفهم ما قد يغمض من كلمات السورة، بل كانت هذه السورة في كثير من المرات هي أول ما أرجع إلى تفسيره إذا ما اقتنيت كتابا، خاصة وأن لدي منذ طفولتي أسئلة محددة كنت أبحث عن أجوبتها، مثل: من الذي أوحي إليه (لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ؟ وهل همَّ يوسف عليه السلام بضرب امرأة العزيز أو بشيء آخر؟ وما هو برهان ربه؟ ومن هو ربُّه الذي أحسن مثواه؟ ومن هو الشاهد الذي من أهلها؟
ومن الذي قال : (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)؟ ومن الذي أوصل خبر مراودة امرأة العزيز إلى النسوة؟ وكيف استنبط يوسف عليه السلام من الرؤيا العام الذي يغاث فيه الناس وفيه يعصرون؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تجعلني أرجع إلى تفسير "سورة يوسف" مباشرة لأُشبِع شيئاً في نفسي.
وبعد مُضيّ قرابة الربع قرن من هذه العلاقة مع "سورة يوسف" حباً، وتلاوة، وتأملاً، وقراءة لكتب التفسير .. وقبل ستة أعوام من الآن فكرت في كتابة ما عنَّ لي مما تحوم حوله تأملاتي المتعلقة بهذه السورة العظيمة، فكنت أقرأ السورة فأجد في نفسي معانيَ لطيفة، وإشارات شفيفة، فسوَّلت لي نفسي كتابتها، ونشرها في بعض الوسائل، فأتاني التشجيع على مواصلة الكتابة في مثل هذا المجال من محبين أشعرتني كلماتهم بسعادة خاصة، ومن متخصصين لفتوا نظري لأهمية ما أكتبه!
*?ختاما:*
نتمنى ان ينال اعجابكم هذا العمل المتواضع ونسأل المولى التمام والتوفيق واغفروا لنا ذلاتنا وقصورنا ونلقاكم في الغد بإذن الواحد الأحد لا تنسوا الصلاة والسلام على خير البشرية وخير الأنام حبيبنا وقدوتنا محمدﷺ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته?.
*?فائدة:*
من اركان الايمان بالله الايمان بالرسل دون تفريق ومن فرق بينهم فقد كفر والله اعلم.
Last updated 1 month, 3 weeks ago
سيرافقك قلبي إلى اخر العمر
- لطلب تمويل تواصل ← : @ooooow
- قناة التمويلات : @xxxxzz
Last updated 4 weeks, 1 day ago
https://t.me/hjjhhhjjnkkjhgg1234
Last updated 2 months, 3 weeks ago