"إن الخطأ هو الميزة الوحيدة التي يمتاز بها الكائن الإنساني على سائر الكائنات الحية. من يخطئ يصل إلى الحقيقة. أنا إنسان لأنني أُخطئ. ما وصل أمرئ إلى حقيقة واحدة إلا بعد أن أخطأ أربع عشرة مرة وربما مئة وأربع عشرة مرة ! وهذا في ذاته ليس ما يعيب.
لك أن تقول آراء جنونية، ولكن لتكن هذه الآراء آراءك أنتَ. لئن يخطئ المرء بطريقته الشخصية، فذلك يكاد يكون خيرًا من ترديد حقيقة لقّنه إياها غيره.
أنت في الحالة الأولى إنسان، أما في الحالة الثانية فأنت ببغاء لا أكثر. "

فيدور دوستويفسكي/ الجريمة و العقاب 1866م

إلى أولغا أفانا سيفناغليبوفا
‏
ما الذي تَريَنهُ وأنتِ تنظرينَ حزينةً إلى الجدار‏
في ساعةٍ، تحلُّ فيها لحظاتُ الشفق الأخيرة؟‏
أنورساً فوقَ بساطِ الماء الأزرق؟!‏
أم حدائق فلورنسيّة؟!‏
أم لعلّكِ ترينَ منتزهَ الضاحيّة القيصريّة الكبير‏
حيثُ اعترضَ القلق طريقكِ؟!‏
أم ترينَ عند ركبتيك ذلك الشاب‏
الذي هَجَر أسرَكِ إلى موتِهِ الأبيض.‏
لا. أنا لا أرى إلا الحائط ـ وعليهِ‏
تنعكسُ نيرانُ السماء المنطفئة لتوّها.‏

صوت الذاكرة - آنا آخماتوڤا 1913

لا تُقصّف رسالتي يا صديق‏
بل اقرأها حتى النهاية‏
لقد مللتُ أن أكونَ مجهولةً‏
غريبةً في طريقك.‏

لا تنظرُ هكذا، عابساً مُتجِّهاً.‏
فأنا حبيبتك، أنا لك‏
لستُ راعيةً، ولا أميرة‏
وما أنا راهبة.‏
رُبّما ما زلتُ في ردائي الرمادي المُعتاد‏
وعلى كعبينِ عتيقين‏
ولكنني كسابق عهدي، حارة في العناق‏
والرعبُ يملأُ عينيَّ الكبيرتين.‏
لا تقصّف رسالتي يا صديقي‏
ولا تبكِ كذبةً محبوبةً‏
ضع الرسالة في حقيبةِ سفركَ الفقيرة.‏
في قعرها العميق نفسه.
‏

آنا آخماتوڤا - 1912‏

إني أحب شمس مارس في بطرسبرغ، وأحب الغروب خاصة حيث يكون النهار بارداً نيراً. إن الشارع كله يضيء فجأة ويغرق في أنوار جميلة . أخذت البيوت كلها تتألق، فإذا ألوانها الشهباء أو الصفراء أو الخضراء الكابية تفقد منظرها المتجهم في طرفة عين. وشعرت كأن نفسي تشرق، وشعرت كأن رعشة تسري في جوانحي : نظرة جديدة ، ومعان جديدة ! ما أعجب ما يستطيع أن يفعله في نفس إنسان شعاع من شمس!

فيدور دوستوفيسكي - مذلون مهانون 1861م

" ينحصر الفارق بين الإنسان و الحيوان في أَن الأول يُدرك أَنه سيموت ، بينما الثاني لا يُدرك و هذا فارقٌ ضخم .."

- يوميات تولستوي الجزء الخامس ص418 / ليڤ تولستوي

ألا يعلم أولئك الحمقى أن قيمة المرء بها يعمله، وأن عظمة المنصب فيمن يشغله، وأن الأقدار لا تقاس بالرتب ما دمنا نری
ذوي المراتب الرفيعة لا يقومون في الأكثر إلا بالأعمال الوضيعة؟ كم ملوك يقودهم الوزراء! وكم وزراء يقودهم الكُتّاب! فقل لي بربك أي الثلاثة أرفع شانًا وأسمی مقامًا؟ إن أرفع هؤلاء على ما أرى من كان أبعدهم في المشكلات نظراً. وأثقبهم في الملمات فكراً، وأقدرهم على أن يستخدم بحوله وحيلته قوى الآخرين و أهواءهم في تنفيذ أغراضه وتحقيق مقاصده.

يوهان ڤون غوتة - آلام ڤرتر

إبنة ستالين المبهورة بأخماتوفا

ذات مساء رأى ستالين إبنته سفيتلانا غارقة في الكتابة ، وهي تنقل شيئا ما من كتاب في يدها .سألها :
- أي كتاب هذا ؟
أجابت:
- ديوان شعر لآنا أخماتوفا
- ولماذا تتعبين نفسك في النقل ، ولا تشترين نسخة منه
- لأنه كتاب ممنوع
قال ستالين :
- دعينى أراه . وبعد أن تصفح الكتاب قال:
- غدا تستطعين الحصول على نسخة من هذا الكتاب في أي متجر للكتب في موسكو

في صباح اليوم التالي رن جرس الهاتف في شقة أخماتوفا ، وكان المتحدث رئيس تحرير مجلة " نوفي مير " الأدبية المرموقة : قال رئيس التحرير :
- ارجو ان ترسلي لنا مجموعة من قصائدك الجديدة
اجابت أخماتوفا:
- حسنا سأفكر في الأمر .
ولم يصمت الهاتف طوال النهار . اتصالات هاتفية من دور النشر :
- يسرنا ان ننشر لك أي ديوان جديد
ومن المجلات الأدبية:
- نحن في انتظار قصائدك الجديدة
ومن صحفيين عاملين في كبريات الصحف المركزية
- هل تأذنين لنا بإجراء مقابلة صحفية سريعة ؟
ومن رئيس اتحاد الكتّاب السوفيت - الذي كان قد اشبع اخماتوما نقدا جارحا واتهمها بالميول البورجوازية ، لأنها ترفض كتابة قصائد عن الكولخوزات والمصانع العملاقة :
- نرحب بعودتك للاتحاد
ادركت أخماتوفا ان الحظر قد رفع عن أعمالها ، لأنها سمعت من ايليا إيرنبورغ حكاية مماثلة . مصير اعظم الكتّاب والشعراء الروس كان رهناً بمزاج الطاغية.

جودت هوشيار

طيبة تشيخوف اللامتناهية

عندما كان انطون تشيخوف تلميذاً في المدرسة الثانوية ، مد يده لمصافحة معلمه ، ولكن المعلم تجاهل اليد الممدودة اليه ، ولم يصافح تلميذه . وترك هذا الحادث جرحاً عميقاً في نفس الفتى ، وانطبع في ذاكرته الى الأبد ، حيث شعر بالخيبة والاذلال . واستخلص من هذا الحادث البسيط درسا أخلاقيا ، وقرر بينه وبين نفسه أن لا يهين أو يذل احداً طوال حياته ، وأن يعامل الناس ، كل الناس بالحسنى ، مهما كلفه ذلك من جهد ووقت ، والأهم من ذلك مهما أثر في صحته .

في احدى المناسبات المكرسة للاحتفاء به ، وقف تشيخوف يصافح المهنئين فرداً فرداً . كان مريضاً ومرهقا ولا يتحمل الوقوف طويلا ، ويكاد يتهاوى من التعب . ولكنه تحامل على نفسه حتى نهاية الحفل ، وعاد الى منزله ليقع مريضا لا يكاد يقوى على النهوض .

كان تشيخوف انسانا في غاية اللطف واللباقة والكياسة ، ويرى ان من غير اللائق عدم الرد على أي رسالة تصله ، وكان يتلقى يوميا عشرات الرسائل ويرد عليها مهما كان صاحب الرسالة انسانا ساذجا ، وحتى غبياً . تشيخوف لا يستهين بأحد من البشر .

تشيخوف كان نصيرا للعدالة استقال من اكاديمية العلوم الروسية عندما أمر القيصر بعدم ضم غوركي وكورولينكو الى عضوية الاكاديمية رغم فوزهما في التصويت على انتخاب الأعضاء الجدد .

وحادث آخر بالغ الدلالة على السمو الأخلاقي لتشيخوف : وافق الكاتب العظيم على بيع حقوق نشر مؤلفاته الى احدى دور النشر الروسية لقاء مبلغ ( 75) ألف روبل . وعندما علم بذلك كبار الأدباء الروس ، قالوا أن هذا الاتفاق اجحاف بالغ بحق تشيخوف. وطالبوا بالغائه ولكن تشيخوف شكرهم على مشاعرهم النبيلة . وقال لهم : لقد وقعت العقد بارادتي ، ولن اتراجع عنه ، لأن الغاء العقد الموقع عمل غير لائق ".

قد تبدو هذه الحكايات ساذجة في زماننا هذا ، الذي اختفت فيه - او كادت تختفي - القيم الأخلاقية في الحياة.

جودت هوشيار

أكذلك قضى الله أن يصبح ما كان مصدرًا لسعادة المرء ورخائه، علة لبؤسه وشقائه؟ أليس عجيبًا أن الشعور المضطرم الذي كان يصل قلبي بالطبيعة، ويغمر نفسي بالنعيم واللذة، ويجعل كل ما يطوف بي جنة بهيجة، يعود عذابًا بئيسًا لا يخف، وشبحًا مخيفًا لا يغيب؟

آلام ڤرتر - يوهان ڤون غوتة